وقائع جديدة تفاقم الاحتقان.. منظمة حقوقية: الاستيطان يحكم الطوق حول البلدات الفلسطينية

وقائع جديدة تفاقم الاحتقان.. منظمة حقوقية: الاستيطان يحكم الطوق حول البلدات الفلسطينية
الاستيطان في الضفة الغربية

في ظل تصاعد التوترات في الضفة الغربية، نددت منظمة “السلام الآن” الإسرائيلية المناهضة للاستيطان بإقامة بؤرة استيطانية جديدة أعلن عنها المجلس الإقليمي لتجمع غوش عتصيون جنوبي الضفة، معتبرة أن الخطوة تأتي في سياق توسع متواصل يهدف إلى فرض وقائع جديدة على الأرض وإحكام الطوق حول البلدات الفلسطينية. 

الإعلان الجديد أعاد إلى الواجهة الجدل المتصاعد حول سياسات الاستيطان، وما تتركه من آثار مباشرة على فرص الحل السياسي وعلى حياة السكان الفلسطينيين، وفق فرانس برس.

جاء ذلك بعدما أعلن رئيس المجلس الإقليمي لغوش عتصيون يارون روزنتال يوم الخميس إنشاء ما سماه تجمّعا جديدا في منطقة شديما قرب بيت لحم، وفي تسجيل مصور قال إن الخطوة تمثل استجابة لرغبات تاريخية لدى اليهود بالعودة إلى المنطقة، مضيفا أن المنازل الأولى نُصبت ليلا في الموقع، وأكد متحدث باسم المجلس أن ثلاثة منازل نقالة وُضعت بالفعل وأن العائلات ستنتقل إليها خلال عطلة نهاية الأسبوع، ما يعني أن البؤرة باتت أمرا واقعا قبل أي إجراء قانوني لاحق.

ردود وتحذيرات

منظمة السلام الآن وصفت في بيانها البؤرة الجديدة بأنها خطوة تهدف إلى خنق مدينة بيت ساحور الفلسطينية وتعطيل نموها العمراني والاقتصادي، وأضافت أن المستوطنين يمضون دون حدود في إنشاء البؤر وتغيير طبيعة الأرض مستغلين موارد عامة، بينما يدفعون نحو إضعاف احتمالات السلام وتقويض حل يقوم على دولتين، ويأتي الرد في سياق انتقادات متزايدة من منظمات إسرائيلية ودولية ترى أن عمليات إنشاء البؤر باتت تسير بوتيرة متسارعة وسط غياب آليات ردع فعالة.

وفي وقت سابق، أكدت منظمتان حقوقيتان في إسرائيل أن الحكومة الإسرائيلية ترعى بشكل مباشر عنف المستوطنين في الضفة الغربية، ما أدى إلى تهجير مئات العائلات الفلسطينية من سبعة تجمّعات رعوية خلال أقل من عامين، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.

وجاء في تقرير مشترك أعدّته منظمتا "ييش دين" و"أطباء من أجل حقوق الإنسان"، أن إسرائيل ترتكب "جريمة حرب" في الضفة الغربية من خلال "التهجير القسري والتطهير العرقي" للفلسطينيين، وهي ممارسة تتصاعد بشكل ممنهج ومؤسسي.

سياق من التوتر والعنف

غوش عتصيون شهدت خلال الأيام الماضية مواجهات وأعمال عنف بين مستوطنين وفلسطينيين، في مشهد بات يتكرر في مناطق عديدة من الضفة الغربية حيث تتمركز البؤر الاستيطانية. الإعلان عن التجمّع الجديد يأتي أيضا بعد أيام قليلة من تفكيك السلطات الإسرائيلية بؤرة تسور مسغافي باعتبارها غير قانونية، في خطوة لم تمنع ظهور بؤر أخرى تُقام قبل أي موافقة رسمية، وبين التفكيك والإنشاء المتكرر يتشكّل واقع ميداني مضطرب يعكس صراع الإرادات بين المستوطنين والحكومة والجهات الحقوقية.

وتشير تقارير ميدانية إلى تزايد الهجمات التي ينفذها مستوطنون خلال الأسابيع الأخيرة، التي استهدفت فلسطينيين وناشطين إسرائيليين وأجانب مناهضين للاستيطان، وأحيانا جنودا إسرائيليين أنفسهم، ويؤكد فلسطينيون أن الاعتداءات لا تُواجَه عادة بإجراءات صارمة من القوات الإسرائيلية، ما يفاقم الاحتقان ويجعل الحياة في المناطق القريبة من البؤر أكثر هشاشة.

خريطة استيطانية متغيرة

تحتل إسرائيل الضفة الغربية منذ عام 1967 ويعيش فيها أكثر من نصف مليون مستوطن، ويعد وجود المستوطنات أحد أعقد ملفات النزاع، إذ يرى الفلسطينيون أنها تقطع أوصال الضفة الغربية وتعرقل قيام دولة قابلة للحياة، وفي المقابل ترى مجموعات المستوطنين أن التوسع الاستيطاني جزء من مشروع يعتبرونه تاريخيا أو دينيا، فيما تتباين مواقف الحكومات الإسرائيلية بين ضبط محدود للبؤر غير القانونية ودعم واسع للاستيطان.

القانون الدولي والسياسة الإسرائيلية

جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية تُعد غير قانونية وفق القانون الدولي، لأنها تقام على أراضٍ خاضعة للاحتلال، أما البؤر الاستيطانية، وهي تجمعات تبنى دون موافقة رسمية، فتعد غير قانونية كذلك بموجب القانون الإسرائيلي نفسه، ما يضع الحكومة في موقف معقد بين النصوص القانونية والضغوط السياسية، ويشير مراقبون إلى أن قرارات التفكيك تبقى محدودة مقارنة بوتيرة إنشاء البؤر، ما يجعل الواقع القانوني أكثر تعقيدا ويعزز شعور الفلسطينيين بأن الأمر الواقع أقوى من أي إجراء رسمي.

يُعد ملف الاستيطان أحد أكثر الملفات حساسية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذ بدأ توسع المستوطنات فور احتلال الضفة الغربية عام 1967، عبر بناء تجمعات سكانية صغيرة تطورت عبر العقود إلى مدن كبرى تضم بنية تحتية كاملة، وتُنشأ البؤر الاستيطانية غالبا بطريقة مفاجئة عبر وضع منازل نقالة على تلال قريبة من بلدات فلسطينية، ثم تتوسع تدريجيا بدعم غير مباشر من مؤسسات حكومية أو منظمات استيطانية. 

وفي السنوات الأخيرة تزايدت الانتقادات الدولية لهذه السياسة لما تتركه من آثار على التواصل الجغرافي للفلسطينيين وعلى إمكان التوصل إلى اتفاق سلام يقوم على دولتين، كما تصاعد الجدل داخل إسرائيل نفسها، حيث تحذر منظمات مثل السلام الآن من أن الاستيطان يضع الدولة في مسار صدام دائم ويجعل الحل السياسي أكثر بعدا مع مرور الوقت.

في 20 يوليو 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية رأياً قانونياً يؤكد أن استمرار وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية "غير قانوني"، وشددت على أن للفلسطينيين الحق في تقرير المصير، وأنه "يجب إخلاء المستوطنات الإسرائيلية" من الأراضي الفلسطينية.

وتعد الأمم المتحدة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية غير قانوني، وتؤكد أنه يقوّض فرص التوصل إلى حل الدولتين، لكنها تواجه تجاهلاً تاماً من الحكومة الإسرائيلية، خاصة في ظل الغطاء السياسي والدعم المطلق الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية